.عناية الأمة الإسلامية بالقرآن:
فلا عجب- والقرآن كما سمعت- أن عنيت الأمة الإسلامية به عناية فائقة، من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فحفظوا لفظه، وفهموا معناه، واستقاموا على العمل به وأفنوا أعمارهم في البحث فيه والكشف عن أسراره، ولم يدعوا ناحية من نواحيه الخصبة إلا وقتلوها بحثا وتمحيصا، وألفوا في ذلك المؤلفات القيمة، فمنهم من ألف في تفسيره ومنهم من ألف في رسمه، وقراءاته، ومنهم من ألف في: محكمه ومتشابهه ومنهم من ألف في مكيّه ومدنيّه ومنهم من ألف في جمعه وتدوينه في الرقاع واللخاف والأكتاف ثم في الصحف، ثم في المصاحف، ومنهم من ألف في استنباط الأحكام منه ومنهم من ألف في ناسخه ومنسوخه، ومنهم من ألف في أسباب نزوله ومنهم من ألف في إعجازه، ومنهم من ألف في مجازه، ومنهم من ألف في أمثاله، ومنهم من ألف في أقسامه، ومنهم من ألف في غريبه، ومنهم من ألف في إعرابه، ومنهم من ألف في قصصه، ومنهم من ألف في تناسب آياته وسوره إلى غير ذلك من العلوم المتكاثرة.
وقد تبارى علماؤنا في هذا المضمار الفسيح، وجروا فيه أشواطا بعيدة حتى زخرت المكتبة الإسلامية بميراث مجيد من تراث سلفنا الصالح، وعلمائنا الأعلام، وكانت هذه الثروة- ولا تزال- مفخرة نتحدى بها أمم الأرض، ونباهي بها أهل الملل في كل عصر ومصر.
وأضحت هذه العناية بحق أروع مظهر عرفه التاريخ لحراسة كتاب هو سيد الكتب وأجلها، وأبعدها من التحريف والتغيير، وبذلك هيأ الله الأسباب المتكاثرة لحفظ كتابه، وهل هذا إلا مصداق قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} [سورة الحجر: 9].
.المبحث الأول: معنى علوم القرآن وتحليل هذا المركب الإضافي:
.معنى علوم القرآن:
يقتضينا منهج البحث التحليلي أن نبين معنى كل من طرفي هذا المركب الإضافي ثم نبين بعد ذلك المراد منه بعد التركيب ثم بعد ما صار فنّا مدونا.
طرفا هذا المركب هما لفظ علوم ولفظ القرآن.
أما العلوم: فهو جمع علم، والعلم في اللغة العربية: مصدر بمعنى الفهم والمعرفة، ويطلق ويراد به: اليقين أيضا.
أما في الاصطلاح: فقد اختلفت فيه عبارات العلماء باختلاف الاعتبارات، فعرفه الشرعيون بتعريف، وعلماء الكلام بتعريف آخر، وعرفه الفلاسفة والحكماء بتعريف ثالث.
وليس شيء من هذه التعريفات بمراد هنا، وإنما المراد: العلم في اصطلاح أهل التدوين وعرفهم، والعلم في عرف التدوين العام عبارة عن: جملة من المسائل المضبوطة بجهة واحدة سواء أكانت وحدة الموضوع أم وحدة الغاية، والغالب أن تكون تلك المسائل كلية نظرية، وقد تكون ضرورية، وقد تكون جزئية، مثل: مسائل علم الحديث رواية كقولهم: «إنما الأعمال بالنيات...» بعض قوله صلى الله عليه وسلم.
أما العلم بمعنى: الملكة التي بها تستحصل هذه المسائل أو بمعنى: إدراك المسائل فغير مراد هنا؛ لأن بحثنا في العلم بمعنى: الفن المدون، ومعلوم أن الذي يدوّن ويؤلف هي المسائل والقواعد لا الملكة ولا الإدراك.
وأما القرآن:
لفظ قرآن قد اختلف فيه العلماء من جهة الاشتقاق أو عدمه، ومن جهة كونه مهموزا أو غير مهموز، ومن جهة كونه مصدرا أو وصفا على أقوال نجملها فيما يأتي:
أما القائلون: بأنه مهموز، فقد اختلفوا على رأيين:
الأول: قال جماعة منهم اللحياني، القرآن: مصدر قرأ بمعنى: تلا، كالرجحان والغفران، ثم نقل من هذا المعنى المصدري، وجعل اسما للكلام المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من باب: تسمية المفعول بالمصدر، ويشهد لهذا الرأي ورود القرآن مصدرا بمعنى: القراءة في الكتاب الكريم، قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [سورة القيامة: 17- 18] أي قراءته.
وقول حسان بن ثابت يرثي ذا النورين عثمان رضي الله عنه:
ضحّوا بأشمط عنوان السجود به ** يقطّع الليل تسبيحا وقرآنا
أي قراءة وعلى هذا يكون على وزن فعلان.
الثاني: قال جماعة منهم الزجاج: إنه وصف على فعلان مشتق من القرء بمعنى الجمع، يقال في اللغة: قرأت الماء في الحوض، أي جمعته، ثم سمي به الكلام المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم لجمع السور والآيات فيه أو القصص والأوامر والنواهي، أو لجمعه ثمرات الكتب السابقة.
وهو على هذين الرأيين مهموز، فإذا تركت الهمزة فذلك للتخفيف، ونقل حركتها إلى الساكن قبلها والألف واللام فيه ليست للتعريف، وإنما للمح الأصل وعلى هذا أيضا يكون على وزن فعلان.
والقائلون بأنه غير مهموز اختلفوا في أصل اشتقاقه:
1- فقال قوم منهم الأشعري هو مشتق من قرنت الشي بالشيء إذا ضممت أحدهما إلى الآخر وسمي به القرآن لقران السور والآيات والحروف فيه.
2- وقا الفراء: هو مشتق من القرائن لأن الآيات منه يصدق بعضها بعضا، ويشابه بعضها بعضا، وهي قرائن، أي أشباه ونظائر.
وعلى هذين القولين: فنونه أصلية، بخلافه على القولين الأولين، فنونه زائدة ويكون وزنه على هذين فعال.
رأي خامس: مقابل للأقوال السابقة:
وهو أنه اسم علم غير منقول، وضع من أول الأمر علما على الكلام المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو غير مهموز، وهذا القول مروي عن الإمام الشافعي، أخرج البيهقي والخطيب وغيرهما عنه، أنه كان يهمز قراءة، ولا يهمز القرآن ويقول: القرآن اسم وليس بمهموز ولم يؤخذ من قراءة، ولكنه اسم لكتاب الله مثل التوراة والإنجيل.
وبالتخفيف قرأ ابن كثير وحده؛ أما بقية السبعة فقرءوا بالهمزة.
وأرجح الآراء وأخلقها بالقبول الأول ويليه الرأي الثاني.
ومما يقوي مذهب القائلين بالهمز، أنهم خرجوا التخفيف تخريجا علميا صحيحا، ولا أدري ماذا يقول القائلون بالرأي الأخير في توجيه قراءة لفظ القرآن بالهمز، مع أن عليها معظم القراء السبعة، كما ذكرنا آنفا!
رأي آخر:
يرى بعض الباحثين:
أن قرآن مأخوذ من قرأ بمعنى تلا، وهذا الفعل أصله في اللغة الآرامية ثم دخل العربية قبل الإسلام بزمن طويل ولو صح هذا، فلا ضير فيه؛ لأن هذه الكلمة وأمثالها- وإن كانت في الأصل أعجمية- فقد صارت بعد التعريب عربية بالاستعمال وبإخضاعها لأصول العرب في نطقهم ولغتهم، واندمجت فيها حتى صارت جزءا منها فنزل القرآن بها، وهي على هذا الحال.
وهذا القول لا يخرج عما ذكره اللحياني فهو مكمل له، لأنه ليس في كلام اللحياني ما ينفي أن يكون أصل الكلمة من اللغة الآرامية.
.تعريف القرآن عند الأصوليين والفقهاء وأهل العربية:
هو كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم المعجز بلفظه، المتعبد بتلاوته المنقول بالتواتر، المكتوب في المصاحف، من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس وقد خرج بقولنا: المنزل على نبيه محمد المنزل على غيره من الأنبياء كالتوراة والإنجيل والزبور والصّحف.
وخرج بالمعجز بلفظه المتعبد بتلاوته الأحاديث القدسية على الرأي بأن لفظها من عند الله، فإنها ليست معجزة ولا متعبد بتلاوتها.
وخرج بقولنا (المنقول بالتواتر... الخ) جميع ما سوى القرآن المتواتر من منسوخ التلاوة.
والقراءات غير المتواترة سواء نقلت بطريق الشهرة كقراءة ابن مسعود في قوله تعالى في كفارة الأيمان: {فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [سورة المائدة: 89] بزيادة متتابعات، أو بطريق الآحاد مثل قراءة: {متكئين على رفارف خضر وعباقري حسان} [الرحمن: 76] بالجمع فإنها ليست قرآنا؛ ولا تأخذ حكمه.
ثم إن العلماء بحثوا في الصّفات الخاصة بـ القرآن فوجدوا أنها تنحصر في الإنزال على النبي صلى الله عليه وسلم والإعجاز، والنقل وبالتواتر، والكتابة في المصاحف، والتعبد بالتلاوة، فرأى بعض العلماء زيادة التوضيح والتمييز، فعرفه بجميع هذه الصفات كما ذكرنا آنفا.
واقتصر بعضهم على ذكر الإنزال على النبي، والإعجاز، لأن ما عداهما من الصفات ليس من الصفات اللازمة، لتحقق القرآن بدونها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا في تعريفه: هو الكلام المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، المعجز.
واقتصر بعضهم على الإنزال والكتابة في المصاحف، والنقل تواترا، لأن المراد تعريفه لمن لم يدرك زمن النبوة، وإنزال الألفاظ والكتابة في المصاحف والنقل تواترا من أبين اللوازم للقرآن وأوضحها بخلاف الإعجاز فليس من اللوازم البينة؛ إذ لا يعرفه إلا الخواص الواقفون على أسرار اللغة وأساليبها، كما أنه ليس شاملا لكل جزء؛ إذ المعجز هو السّورة أو مقدارها.
واقتصر البعض على النقل في المصاحف تواترا، لأنه كاف في الغرض المقصود، وهو تمييز القرآن عن جميع ما عداه، فقد ثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم بالغوا في ألا يكتب في المصحف ما ليس منه، مما يتعلق به، حتى النّقط والشّكل، واحتاطوا في ذلك غاية الاحتياط، حتى لا يختلط القرآن بغيره.
واقتصر بعضهم على ذكر الإعجاز فحسب، لأنه وصف ذاتي للقرآن إذ هو الآية العظمى المثبتة لرسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكون القرآن المنزل عليه من عند الله لا من عند البشر.
ولما كان بحثنا في هذا العلم، إنما يتعلق بنظمه العربي المبين، فقد آثرت ألا أتعرض للقرآن من حيث كونه كلام الله، وصفة من صفاته، لأن هذا البحث محله علم الكلام.
فلا عجب- والقرآن كما سمعت- أن عنيت الأمة الإسلامية به عناية فائقة، من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فحفظوا لفظه، وفهموا معناه، واستقاموا على العمل به وأفنوا أعمارهم في البحث فيه والكشف عن أسراره، ولم يدعوا ناحية من نواحيه الخصبة إلا وقتلوها بحثا وتمحيصا، وألفوا في ذلك المؤلفات القيمة، فمنهم من ألف في تفسيره ومنهم من ألف في رسمه، وقراءاته، ومنهم من ألف في: محكمه ومتشابهه ومنهم من ألف في مكيّه ومدنيّه ومنهم من ألف في جمعه وتدوينه في الرقاع واللخاف والأكتاف ثم في الصحف، ثم في المصاحف، ومنهم من ألف في استنباط الأحكام منه ومنهم من ألف في ناسخه ومنسوخه، ومنهم من ألف في أسباب نزوله ومنهم من ألف في إعجازه، ومنهم من ألف في مجازه، ومنهم من ألف في أمثاله، ومنهم من ألف في أقسامه، ومنهم من ألف في غريبه، ومنهم من ألف في إعرابه، ومنهم من ألف في قصصه، ومنهم من ألف في تناسب آياته وسوره إلى غير ذلك من العلوم المتكاثرة.
وقد تبارى علماؤنا في هذا المضمار الفسيح، وجروا فيه أشواطا بعيدة حتى زخرت المكتبة الإسلامية بميراث مجيد من تراث سلفنا الصالح، وعلمائنا الأعلام، وكانت هذه الثروة- ولا تزال- مفخرة نتحدى بها أمم الأرض، ونباهي بها أهل الملل في كل عصر ومصر.
وأضحت هذه العناية بحق أروع مظهر عرفه التاريخ لحراسة كتاب هو سيد الكتب وأجلها، وأبعدها من التحريف والتغيير، وبذلك هيأ الله الأسباب المتكاثرة لحفظ كتابه، وهل هذا إلا مصداق قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} [سورة الحجر: 9].
.المبحث الأول: معنى علوم القرآن وتحليل هذا المركب الإضافي:
.معنى علوم القرآن:
يقتضينا منهج البحث التحليلي أن نبين معنى كل من طرفي هذا المركب الإضافي ثم نبين بعد ذلك المراد منه بعد التركيب ثم بعد ما صار فنّا مدونا.
طرفا هذا المركب هما لفظ علوم ولفظ القرآن.
أما العلوم: فهو جمع علم، والعلم في اللغة العربية: مصدر بمعنى الفهم والمعرفة، ويطلق ويراد به: اليقين أيضا.
أما في الاصطلاح: فقد اختلفت فيه عبارات العلماء باختلاف الاعتبارات، فعرفه الشرعيون بتعريف، وعلماء الكلام بتعريف آخر، وعرفه الفلاسفة والحكماء بتعريف ثالث.
وليس شيء من هذه التعريفات بمراد هنا، وإنما المراد: العلم في اصطلاح أهل التدوين وعرفهم، والعلم في عرف التدوين العام عبارة عن: جملة من المسائل المضبوطة بجهة واحدة سواء أكانت وحدة الموضوع أم وحدة الغاية، والغالب أن تكون تلك المسائل كلية نظرية، وقد تكون ضرورية، وقد تكون جزئية، مثل: مسائل علم الحديث رواية كقولهم: «إنما الأعمال بالنيات...» بعض قوله صلى الله عليه وسلم.
أما العلم بمعنى: الملكة التي بها تستحصل هذه المسائل أو بمعنى: إدراك المسائل فغير مراد هنا؛ لأن بحثنا في العلم بمعنى: الفن المدون، ومعلوم أن الذي يدوّن ويؤلف هي المسائل والقواعد لا الملكة ولا الإدراك.
وأما القرآن:
لفظ قرآن قد اختلف فيه العلماء من جهة الاشتقاق أو عدمه، ومن جهة كونه مهموزا أو غير مهموز، ومن جهة كونه مصدرا أو وصفا على أقوال نجملها فيما يأتي:
أما القائلون: بأنه مهموز، فقد اختلفوا على رأيين:
الأول: قال جماعة منهم اللحياني، القرآن: مصدر قرأ بمعنى: تلا، كالرجحان والغفران، ثم نقل من هذا المعنى المصدري، وجعل اسما للكلام المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من باب: تسمية المفعول بالمصدر، ويشهد لهذا الرأي ورود القرآن مصدرا بمعنى: القراءة في الكتاب الكريم، قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [سورة القيامة: 17- 18] أي قراءته.
وقول حسان بن ثابت يرثي ذا النورين عثمان رضي الله عنه:
ضحّوا بأشمط عنوان السجود به ** يقطّع الليل تسبيحا وقرآنا
أي قراءة وعلى هذا يكون على وزن فعلان.
الثاني: قال جماعة منهم الزجاج: إنه وصف على فعلان مشتق من القرء بمعنى الجمع، يقال في اللغة: قرأت الماء في الحوض، أي جمعته، ثم سمي به الكلام المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم لجمع السور والآيات فيه أو القصص والأوامر والنواهي، أو لجمعه ثمرات الكتب السابقة.
وهو على هذين الرأيين مهموز، فإذا تركت الهمزة فذلك للتخفيف، ونقل حركتها إلى الساكن قبلها والألف واللام فيه ليست للتعريف، وإنما للمح الأصل وعلى هذا أيضا يكون على وزن فعلان.
والقائلون بأنه غير مهموز اختلفوا في أصل اشتقاقه:
1- فقال قوم منهم الأشعري هو مشتق من قرنت الشي بالشيء إذا ضممت أحدهما إلى الآخر وسمي به القرآن لقران السور والآيات والحروف فيه.
2- وقا الفراء: هو مشتق من القرائن لأن الآيات منه يصدق بعضها بعضا، ويشابه بعضها بعضا، وهي قرائن، أي أشباه ونظائر.
وعلى هذين القولين: فنونه أصلية، بخلافه على القولين الأولين، فنونه زائدة ويكون وزنه على هذين فعال.
رأي خامس: مقابل للأقوال السابقة:
وهو أنه اسم علم غير منقول، وضع من أول الأمر علما على الكلام المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو غير مهموز، وهذا القول مروي عن الإمام الشافعي، أخرج البيهقي والخطيب وغيرهما عنه، أنه كان يهمز قراءة، ولا يهمز القرآن ويقول: القرآن اسم وليس بمهموز ولم يؤخذ من قراءة، ولكنه اسم لكتاب الله مثل التوراة والإنجيل.
وبالتخفيف قرأ ابن كثير وحده؛ أما بقية السبعة فقرءوا بالهمزة.
وأرجح الآراء وأخلقها بالقبول الأول ويليه الرأي الثاني.
ومما يقوي مذهب القائلين بالهمز، أنهم خرجوا التخفيف تخريجا علميا صحيحا، ولا أدري ماذا يقول القائلون بالرأي الأخير في توجيه قراءة لفظ القرآن بالهمز، مع أن عليها معظم القراء السبعة، كما ذكرنا آنفا!
رأي آخر:
يرى بعض الباحثين:
أن قرآن مأخوذ من قرأ بمعنى تلا، وهذا الفعل أصله في اللغة الآرامية ثم دخل العربية قبل الإسلام بزمن طويل ولو صح هذا، فلا ضير فيه؛ لأن هذه الكلمة وأمثالها- وإن كانت في الأصل أعجمية- فقد صارت بعد التعريب عربية بالاستعمال وبإخضاعها لأصول العرب في نطقهم ولغتهم، واندمجت فيها حتى صارت جزءا منها فنزل القرآن بها، وهي على هذا الحال.
وهذا القول لا يخرج عما ذكره اللحياني فهو مكمل له، لأنه ليس في كلام اللحياني ما ينفي أن يكون أصل الكلمة من اللغة الآرامية.
.تعريف القرآن عند الأصوليين والفقهاء وأهل العربية:
هو كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم المعجز بلفظه، المتعبد بتلاوته المنقول بالتواتر، المكتوب في المصاحف، من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس وقد خرج بقولنا: المنزل على نبيه محمد المنزل على غيره من الأنبياء كالتوراة والإنجيل والزبور والصّحف.
وخرج بالمعجز بلفظه المتعبد بتلاوته الأحاديث القدسية على الرأي بأن لفظها من عند الله، فإنها ليست معجزة ولا متعبد بتلاوتها.
وخرج بقولنا (المنقول بالتواتر... الخ) جميع ما سوى القرآن المتواتر من منسوخ التلاوة.
والقراءات غير المتواترة سواء نقلت بطريق الشهرة كقراءة ابن مسعود في قوله تعالى في كفارة الأيمان: {فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [سورة المائدة: 89] بزيادة متتابعات، أو بطريق الآحاد مثل قراءة: {متكئين على رفارف خضر وعباقري حسان} [الرحمن: 76] بالجمع فإنها ليست قرآنا؛ ولا تأخذ حكمه.
ثم إن العلماء بحثوا في الصّفات الخاصة بـ القرآن فوجدوا أنها تنحصر في الإنزال على النبي صلى الله عليه وسلم والإعجاز، والنقل وبالتواتر، والكتابة في المصاحف، والتعبد بالتلاوة، فرأى بعض العلماء زيادة التوضيح والتمييز، فعرفه بجميع هذه الصفات كما ذكرنا آنفا.
واقتصر بعضهم على ذكر الإنزال على النبي، والإعجاز، لأن ما عداهما من الصفات ليس من الصفات اللازمة، لتحقق القرآن بدونها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا في تعريفه: هو الكلام المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، المعجز.
واقتصر بعضهم على الإنزال والكتابة في المصاحف، والنقل تواترا، لأن المراد تعريفه لمن لم يدرك زمن النبوة، وإنزال الألفاظ والكتابة في المصاحف والنقل تواترا من أبين اللوازم للقرآن وأوضحها بخلاف الإعجاز فليس من اللوازم البينة؛ إذ لا يعرفه إلا الخواص الواقفون على أسرار اللغة وأساليبها، كما أنه ليس شاملا لكل جزء؛ إذ المعجز هو السّورة أو مقدارها.
واقتصر البعض على النقل في المصاحف تواترا، لأنه كاف في الغرض المقصود، وهو تمييز القرآن عن جميع ما عداه، فقد ثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم بالغوا في ألا يكتب في المصحف ما ليس منه، مما يتعلق به، حتى النّقط والشّكل، واحتاطوا في ذلك غاية الاحتياط، حتى لا يختلط القرآن بغيره.
واقتصر بعضهم على ذكر الإعجاز فحسب، لأنه وصف ذاتي للقرآن إذ هو الآية العظمى المثبتة لرسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكون القرآن المنزل عليه من عند الله لا من عند البشر.
ولما كان بحثنا في هذا العلم، إنما يتعلق بنظمه العربي المبين، فقد آثرت ألا أتعرض للقرآن من حيث كونه كلام الله، وصفة من صفاته، لأن هذا البحث محله علم الكلام.
0 التعليقات:
إرسال تعليق